لسنا ملائكة .. ولا تحاسبونا علي أننا كذلك
منذ أيام كنت أتحدث إلي أحد زملائي, وجدته غاضبا مما يحدث في فلسطين ومن بعض التجاوزات التي فعلها مناصرو حماس "كيف يقدم من ينتمون إلي الإسلاميين علي هذه الأفعال وتقولون علي أنفسك أنكم كذا وكذا ... وفي النهاية تقومون بهذه الأفعال وتصدر منكم تلك الكلمات الهائجة والغاضبة ؟".
"لسنا ملائكة .. ولا تحاسبونا علي أننا كذلك"
نعم .. الخطأ الأكبر الذي تقع فيه الحركات الإسلامية -باستمدادها الحل من الحل الإسلامي- هو تصور ملائكيتها وبالتالي ملائكية رموزها وأفرادها .. وبالتالي أفعالها وتصرفاتها .. حينها تنتج المعادلة الصعبة .. إذا كنا ملائكة فنحن لا نخطئ ... وعلي الجانب الآخر ... مادمتم ملائكة فكيف تقعون في هذا الخطأ؟
لسنا ملائكة ... نحن نحمل فكرة عظيمة ومبدأ نؤمن ونعتقد فيه أشد الإيمان والاعتقاد .. ونتلمس خطي منهج نبوي نحاول أن نسير علي خطاه بشرنا به نبينا صلي الله علي وسلم .... ولكن كل هذا لا يمنحنا الملائكية وتصور الحق المطلق .. نؤمن بصحة المنهج وقبل ذلك لابد أن نؤمن بحدوث الأخطاء منا وتقبلها .. فنحن بشر نحمل من الخطأ مقدار ما نحمل من الصواب .. نحن وأساتذتنا ورموزنا ومجاهدينا وكل من خلقه الله إنسانا وعلي هذا يحاسب .. بل وأحيانا تخطئ الجماعة وتصيب ....
وحين قال الإمام الشافعي "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب" فقد عبر عن هذا الموقف ... أنه ليس ملاكا ... ولسنا اليوم ملائكة ... ولسنا منزهين عن الخطأ ...
ونخطئ كثيرا حين نضع هذه الهالة المقدسة حولنا .. نعم .. نقدر إخواننا أكبر تقدير ونعترف لهم في كل لحظة بالفضل علينا وعرفان بالجميل يملأ قلوبنا نحوهم .. وهم من ربانا وحسننا وقومنا وصبر علينا .. وضيع من وقته الكثير والكثير لمجرد أن يسمعنا أو يخفف عنا مشاكلنا .. ومع كل هذا لابد وأن يستقر داخلنا أنهم بشر .. ضغوط الحياة عليهم صعبة ومشاكل أسرهم كثيرة وهم في كل هذا يحاولون أن يقدموا ما يستطيعون لنا ولدعوتهم وللآخرين .

والنصف الآخر .. أننا حين تصورنا ذلك قدمنا أنفسنا للآخرين علي هذه الصورة .. فصدقونا وحاسبونا علي كلامنا ومنطقنا .. ورغم معرفتهم بخطئه إلا أنهم حاسبونا بهذا المنطق الخاطئ, كيف تخطئون في كذا وكيف وترتكبون كذا وكذا؟ وكيف أفرادكم كذا وكذا .. حاسبونا علي أننا ملائكة .. وكنا نحن المخطئون من البداية .
إلي وقت قريب كنت أندهش حين يلقي القبض علي العشرات والمئات فيتم التعامل معهم علي أنهم رقم .. وفقط .. تنقلب الدنيا علي فرد واحد من غيرهم .. أما أفراد الحركة فيتعامل مهم علي أنهم شيء واحد .. لا يصنع فارق الواحد عن الألف... وراء كل واحد منهم أسرة ينفق عليها وعائلة تحتاج إلي وجوده وعمل تغيب عنه لا يعرف ماذا يحدث فيه ومستقبل لا يعرف تفاصيله بعد أن يخرج ؟؟ ثم يأتي كثيرون ويحاسبونا عكس ذلك .. معتبرين أنا ملائكة .. وهذا مؤلم .. مؤلم للغاية ..
حين تجدوا أحدنا متعصبا أو منغلقا .. قبل أن تحاسبوه انظروا من أين أتي؟ هو انعكاس لهذا المجتمع الذي نشأ وتربي فيه ..
قارنوا بينهم وبين نظرائهم في البلاد الحرة تجدوا الفارق واسع علي الرغم من اتفاقهم في الفكرة .. حينها ستري الرأي والرأي الآخر .. وستجد الانفتاح المطلوب وتقبل الرأي الآخر .. وستجد عقلا مستعدا للإبداع والتطوير واستقبال الجديد ..
الحركة الإسلامية أخطأت حين قدمت نفسها باعتبارها ملاكا محصنا .. والخطأ الثاني كان أن صدقها الآخرون وتعاملوا معها بهذا المنطق فاعتبروها بطلا لا يقهر ... وملاكا لا يجوز أن يتعرض للخطأ .. وحين وقع هذا الخطأ حاسبوه علي هذا الأساس ..